فصل: (فرع: تعليق النذر بمشيئة رجل)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة:النذر لأفضل بلد أو مطلقا]

إذا نذر الهدي للحرم أو لأفضل بلد، أو لأشرف بلد لزمه ذلك بمكة، لأنها أفضل البلاد وأشرفها.
وإن نذر الهدي لبلد غيرها وسماها لزمه صرفه إلى البلد التي سماها؛ لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: «أن امرأة قالت: يا رسول الله إني نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا - مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية - قال: «لصنم " قالت: لا، قال: «لوثن " قالت: له، قال: «أوفي بنذرك».
قال أبو عبيد الهروي: (الصنم): ما اتخذ آلهة مما له صورة. و(الوثن): ما اتخذ آلهة مما لا صورة له.
وإن قال: لله علي أن أهدي، وأطلق ففيه وجهان:
أحدهما: يصرفه حيث شاء من البلاد؛ لأن اسم البلاد يقع عليه.
والثاني: لا يجزئه إلا في الحرم، حملا على الهدي المعهود في الشرع.
ويشبه أن يكون هذان الوجهان مأخوذين من القولين فيمن أطلق نذر الهدي هل يلزمه ما يقع عليه الاسم من تمرة أو زبيبة أو غير ذلك، أو لا يجزئه إلا ما يجزئ من الأنعام في الهدي؟ وفيه قولان، مضى بيانهما.

.[فرع: مؤنة نقل الهدي والنذر من غيرالنعم]

قال الطبري: وهل يلزمه مؤنة نقل الهدي؟ ينظر فيه: فإن قال: لله علي أن أهدي لزمته مؤنة نقله، وإن قال: جعلته هديا لم يلزمه، بل يباع من ذلك للمؤنة.
قال الطبري: وإن نذر حيوانا غير النعم من طائر أو دابة لزمه أن يتصدق به حيا على فقراء مكة. فإن كان الهدي من النعم لزمه أن يذبح ذلك، ويسلمه إليهم بعد الذبح، فإن سلمه إليهم قبل الذبح لم يجزه، كالهدي الواجب بالشرع.

.[فرع: النذر لرتاج لكعبة أو لمسجد بعينه أو مطلقا]

وإن نذر الهدي لرتاج الكعبة صرف إلى كسوة البيت - وأهل الرتاج: الباب - وهكذا إن نذر ذلك لعمارة مسجد لزمه صرفه فيما عينه له. وإن أطلقه فوجهان:
أحدهما: يلزمه صرفه إلى مساكين ذلك البلد؛ لأن الهدي المعهود في الشرع ما يصرف إلى المساكين.
والثاني: يصرفه في أي وجه شاء من وجوه القرب في ذلك البلد؛ لأن الاسم يقع عليه.
وأصل هذين الوجهين: القولان فيما ينصرف إليه مطلق الهدي.
فإن كان ما نذره مما لا يمكنه نقله كالدار والأرض لزمه أن يبيعه ويصرف ثمنه إلى فقراء البلد الذي سماه؛ لما روي: أن امرأة سألت ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -:
أنها نذرت أن تهدي دارا، فقال: (بيعيها، وتصدقي بثمنها على مساكين الحرم) ولأنه لا يمكن نقله، فنقل ثمنه.

.[مسألة:ينحر ويفرق اللحم حيث نذر]

قال الشافعي: (ولو نذر أن ينحر بمكة لم يجزه أن ينحر بغيرها، ولو نذر أن ينحر بغيرها لم يجزه إلا حيث نذر؛ لأنه وجب لمساكين ذلك البلد).
وهذا كما قال: لو نذر النحر بمكة والتفرقة فيها لزمه الأمران جميعا بها، وإن نذر النحر بمكة وأطلق لزمه النحر بها، وهل يلزمه تفرقة اللحم بها؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يلزمه تفرقة اللحم بها، بل يفرقه في أي موضع شاء؛ لأنه نذر فيها أحد مقصودي الهدي، فلم يلزمه الآخر، كما لو نذر التفرقة بها دون النحر.
والثاني - وهو المذهب -: أنه يلزمه تفرقة اللحم بها؛ لأنه إذا لزمه النحر بها تعينت التفرقة فيها، كالهدايا الواجبة بالشرع.
وإن نذر النحر والتفرقة في بلد غير الحرم لزمه ذلك، وإن نذر النحر بها وأطلق فنقل المزني: (أنه يلزمه) واختلف أصحابنا فيه:
فقال أبو إسحاق: يلزمه النحر في ذلك البلد، والتفرقة فيه؛ لأن ذكر النحر يتضمن التفرقة فيه.
ومنهم من قال: لا يلزمه النحر ولا التفرقة؛ لأن النحر في غير الحرم لا قربة فيه، فلم يتضمن التفرقة، قال: وأخطأ المزني في نقله؛ لأن الشافعي ذكر في "الأم" [2/231] (إذا نذر أن ينحر في بلد ويفرق اللحم به لزمه) فأسقط المزني قوله: (ويفرق).

.[مسألة:فيمن نذر صلاة أو ركوعا أو سجودا]

إذا نذر أن يصلي أربع ركعات أو غير ذلك لزمه ما سمى. وإن نذر أن يصلي وأطلق ففيه قولان:
أحدهما: وهو قوله القديم -: (أنه يلزمه ركعة)؛ لأن الركعة صلاة شرعية، وهي: الوتر، فلم يلزمه أكثر منها.
والثاني: قال في الجديد: (يلزمه ركعتان) - وبه قال أبو حنيفة وأحمد - وهو الصحيح؛ لأن أقل صلاة وجبت في الشرع ركعتان.
وإن قال: علي لله ركوع عنه ففيه وجهان، حكاهما الطبري في "العدة":
أحدهما: لا يلزمه شيء؛ لأن الركوع بانفراده ليس بقربة.
والثاني: يلزمه ركعة تامة حملا على المعهود في الشرع.
وإن نذر السجود فالذي يقتضيه المذهب: أنه يلزمه؛ لأن السجود بانفراده قربة، وهو سجود التلاوة، وسجود الشكر.

.[فرع: نذر الصلاة في المساجد الثلاثة أو في غيرها]

وإن نذر الصلاة في مسجد غير المساجد الثلاثة - وهي: المسجد الحرام، ومسجد المدينة، والمسجد الأقصى - انعقد نذره بالصلاة، ولم تتعين عليه الصلاة في المسجد الذي عينه؛ لأن غير المساجد الثلاثة متساوية في الفضيلة. قال المسعودي في "الإبانة"فإن نذر صلاة الفرض في مسجد غير المساجد الثلاثة فانتقل إلى غيره، فإن كان الذي انتقل إليه: الجمع فيه أعظم وأكثر جاز.
وظاهر كلامه يدل على: أنه تلزمه صلاة الفرض في المسجد الذي عينه بالنذر إن كانت فيه جماعة، وله أن يسقط ذلك بأن يصلي مع جماعة أكثر منها.
فإن قيل: أليس لو نذر الصوم في يوم بعينه لم يجز له أن يصوم في غيره؟ فكيف جاز إذا نذر الصلاة في مسجد غير المساجد الثلاثة أن يصلي في غيره؟
فالجواب: أن النذر مردود إلى أصل الشرع، وقد وجب الصوم بالشرع في زمان بعينه، فلذلك تعين بالنذر، وليس كذلك الصلاة؟ فإنها لم تتعين بالشرع في مكان بعينه، فلذلك لم تتعين بالنذر.
وإن نذر أن يصلي في المسجد الحرام لزمه أن يصلي فيه، فإن صلى في غيره لم يجزه عن النذر.
وقال أبو حنيفة: (يجوز أن يصلي في غيره).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلاة في المسجد الحرام: تعدل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد» فلا يجوز أن يسقط نذره بالصلاة فيه في غيره.
وإن نذر أن يصلي في مسجد المدينة، أو في المسجد الأقصى فهل يتعينان بالنذر؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يتعينان بالنذر؛ لأنه مسجد لا يجب قصده بالنسك، فلم يتعين بنذر الصلاة فيه، كسائر المساجد.
فعلى هذا: يصلي في أي موضع شاء.
والثاني: يتعينان؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى».
فعلى هذا: إذا نذر الصلاة فيهما فصلى في المسجد الحرام سقط نذره لأن الصلاة فيه أفضل من الصلاة فيهما.
فإن صلى في مسجد المدينة ما نذر أن يصلي في المسجد الأقصى أجزأه لما روي: «أن رجلا قال: يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صل هاهنا»، فأعادها عليه ثلاثا، وهو يقول: صل هاهنا» ولأن الصلاة فيه أفضل؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلاة في المسجد الحرام: تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد، وصلاة في مسجدي هذا: تعدل ألف صلاة، وصلاة في المسجد الأقصى: تعدل خمسمائة صلاة».

.[فرع: تعليق النذر بمشيئة رجل]

قال الطبري: إذا قال: لله علي نذر صلاة أو هدي إن شاء فلان نظر: فإن أراد تعليق عقد النذر على مشيئته لم يصح؛ لأن العقود لا تتعلق بالصفات. وإن أراد به عقد النذر في الحال إلا أنه علق رفعه على مشيئة فلان فلا يكون نذر تبرر، قال: فيخرج على الأقوال الثلاثة المخرجة في نذر اللجاج والغضب.

.[مسألة:صوم يوم بعينه أو مطلقا أو نصفه]

وإن نذر الصوم وأطلق لزمه صوم يوم؛ لأن أقل الصوم يوم. وإن نذر صوم يوم بعينه فالمشهور من المذهب: أنه لا يصح أن يصوم عنه يوما قبله؛ لأن الصوم يتعين في زمان يوم بعينه في الشرع، فكذلك في النذر.
وقال بعض أصحابنا: يجوز أن يصوم عنه يوما قبله - وبه قال أبو يوسف - وليس بشيء.
وإن نذر صوم نصف يوم، أو صوم اليوم الذي هو فيه ولم يكن أكل قبل ذلك ففيه قولان، حكاهما الطبري في "العدة":
أحدهما: لا يلزمه شيء، وهو المشهور؛ لأن ذلك ليس بصوم.
والثاني: يلزمه صوم يوم؛ لأن ذلك يتضمن إيجاب صوم يوم بعينه.
وإن كان قد أكل قبل النذر، فإن قلنا: لا يلزمه إذا لم يأكل فهاهنا أولى، وإن قلنا هناك: يلزمه فهاهنا وجهان.

.[فرع: نذر الصوم في الحرم]

ذكر في "العدة": إذا نذر أن يصوم أو يصلي في الحرم فقال صاحب " التلخيص ": لا يجوز في غيره.
وقال أصحابنا: أما الصلاة: فكما قال، وأما الصوم: فلا يختص بالحرم؛ لأن المكان لا حظ له فيه، ألا ترى أن الصوم الذي يجب بدلا عن الهدي لا يختص بالحرم، وإن كان مبدله يختص به.
وقال الشيخ أبو زيد: يحتمل ما قاله صاحب " التلخيص "؛ لأن الحرم يختص بأشياء والأول أصح.

.[مسألة:نذر صوم سنة معينة]

إذا نذر صوم سنة معينة، بأن قال: علي لله أن أصوم سنة كذا، أو: علي أن أصوم من هذا الشهر سنة فإنه يلزمه صوم جميع تلك السنة عن النذر، إلا شهر رمضان والعيدين وأيام التشريق: فأما شهر رمضان: فلأنه يستحق صومه بالشرع، فلا يصوم فيه عن النذر. وأما العيدان: فلأنه لا يصح صومهما بحال. وأما أيام التشريق: فلأنه لا يصح صومها على قوله الجديد، وهو الصحيح. ولا يلزمه قضاء ذلك؛ لأن النذر لم يتناولها.
وإن أفطر في غير هذه الأيام نظرت: فإن أفطر لغير عذر أثم بذلك، فإن كان قد شرط فيها التتابع في الصوم فحكى الطبري عن القفال: أنه لا يبطل ما مضى من السنة، فلا يلزمه الاستئناف قياسا على صوم رمضان. والمشهور من المذهب: أنه يلزمه استئناف صوم السنة؛ لأن التتابع لزمه بالشرط، ولا ينقطع التتابع فيها لإفطاره في العيدين وأيام التشريق؛ لأنه لا يمكنه صوم سنة متتابعة وليس فيها هذه الأيام. وإن
لم يشرط التتابع في النذر لزمه قضاء ما أفطر فيها بغير عذر، ولا ينقطع تتابعه؛ لأنه وإن لزمه التتابع في السنة المعينة - وإن لم يشرط ذلك في النذر - إلا أنه تتابع لزمه من ناحية الوقت، فهو كما لو أفطر في رمضان بغير عذر.
وإن أفطر فيها بعذر نظرت: فإن كانت امرأة فحاضت أفطرت، ولا تأثم بذلك، ولا ينقطع التتابع به؛ لأنه لا يمكنها صوم السنة عن الحيض، وهل يلزمها قضاء أيام الحيض؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يلزمها قضاؤها؛ لأن أيام الحيض مستحقة للفطر، فهي كالعيدين وأيام التشريق.
والثاني: يلزمها قضاؤها؛ لأن النذر محمول على الشرع، والحائض يلزمها قضاء الصوم بالشرع، وهو رمضان، فكذلك صوم النذر، ولأن أيام الحيض مما يصح فيها صوم غيرها، وإنما أفطرت لمعنى فيها، بخلاف العيدين وأيام التشريق.
وإن أفطر في صوم السنة المعينة بالمرض لم يأثم بذلك، فإن لم يشترط التتابع فيها فهل يلزمه قضاء أيام المرض؟ فيه وجهان، بناء على القولين في الحائض.
وإن كان قد شرط التتابع فيها فهل ينقطع تتابعه؟ فيه قولان:
أحدهما: ينقطع؛ لأنه أفطر باختياره.
والثاني: لا ينقطع؛ لأنه أفطر بعذر، فهو كالحائض.
فعلى هذا: هل يلزمه القضاء؟ على وجهين.
وإن أفطر بالسفر لم يأثم بذلك، فإن لم يشترط التتابع لم يلزمه الاستئناف، وهل يلزمه قضاء ما أفطر بالسفر؟ فيه وجهان بناء على القولين في الحائض. وإن شرط التتابع، فإن قلنا: ينقطع التتابع بالمرض فبالسفر أولى أن ينقطع، وإن قلنا: لا ينقطع التتابع بالمرض فهل ينقطع بالسفر؟ فيه قولان:
أحدهما: لا ينقطع؛ لأنه أفطر بعذر، فهو كالمريض، فيكون في القضاء على هذا وجهان.
والثاني: ينقطع؛ لأن السفر كان باختياره، بخلاف المرض.
فإن نذر صوم سنة غير معينة، فإن لم يشترط فيها التتابع جاز أن يصومها متتابعا ومتفرقا، وإن صام اثني عشر شهرا بالأهلة صح، تامة كانت الشهور أو ناقصة، فإن صام شهر شوال لم يصح صومه يوم الفطر، فإن كان الشهر تاما قضى صوم يوم، وإن كان ناقصا قضى صوم يومين. فإذا جاء شهر رمضان صامه عن فرض رمضان، ولا يصح صومه فيه عن النذر؛ لأنه مستحق بالشرع، ويفطر في العيدين وأيام التشريق؛ لأنها مستحقة للفطر، ويلزمه قضاء ذلك؛ لأن فرض النذر تعلق بذمته، فانتقل فيما لم يسلم إلى بدله، كالمسلم فيه إذا رد بالعيب؛ لأنه إذا قال: صوم سنة فيمكن حمل ذلك على سنة ليس فيها شهر رمضان ولا العيدان وأيام التشريق، بخلاف ما لو قال: علي لله صوم سنة كذا فإنها لا تخلو من ذلك. ويجوز أن يقضي صوم ذلك متفرقا ومتتابعا.
وإن شرط التتابع في صومها لزمه صومها متتابعا، فإذا صام رمضان عن رمضان وأفطر في العيدين وأيام التشريق، أو أفطرت المرأة بالحيض لم ينقطع تتابعه بذلك؛ لأنه لا يمكنه صوم سنة متتابعة ليس فيها رمضان والعيدان وأيام التشريق، ولا يمكن صونها عن الحيض، ولكن يلزمه قضاء ذلك متتابعا، لأنها قضاء عن صوم متتابع. وإن أفطر بالمرض فهل ينقطع تتابعه؟ فيه قولان - على ما مضى في التي قبلها - فإذا قلنا: لا ينقطع لزمه قضاء أيام الفطر قولا واحدا؛ لما ذكرناه في رمضان وأيام التشريق. وإن أفطر بالسفر فهل ينقطع التتابع؟ يبنى أيضًا على المرض، فإن قلنا في المرض: ينقطع ففي السفر أولى. وإن قلنا في المرض: لا ينقطع ففي السفر قولان:
فإذا قلنا: لا ينقطع لزمه قضاء تلك الأيام التي يفطر فيها قولا واحدا؛ لما ذكرناه.

.[فرع: نذر صوم هذه السنة]

قال الطبري: وإن قال: لله علي صوم هذه السنة لزمه صوم باقي سنة التاريخ؛ لأن التعريف بالألف واللام يقتضي المعهود، وهذا هو المعهود.

.[مسألة:نذر صوم أيام الاثنين]

وإن نذر أن يصوم كل اثنين لزمه ذلك، فإذا جاء شهر رمضان صام الأثانين فيه عن رمضان؛ لأنها مستحقة بالشرع، ولا يلزمه قضاؤها؛ لأن النذر لم يتناولها؛ لأنه يعلم أن رمضان لا يخلو من ذلك، وهل يلزمه قضاء ما وافق منها العيدين وأيام التشريق؟ فيه قولان:
أحدهما: يلزمه - وهو اختيار المحاملي في " التجريد " - لأنه نذر ما يجوز أن لا يوافق أيام العيد وأيام التشريق، فإذا وافق ذلك لزمه القضاء.
والثاني: لا يلزمه القضاء - وهو اختيار المزني، والشيخ أبي حامد، وابن الصباغ - لأن هذه الأيام لا يصح صومها عن النذر، فأشبهت أثانين رمضان.
وإن كانت امرأة فحاضت فيها فهل يلزمها قضاء أيام الحيض؟ فيه قولان مضى ذكرهما في المسألة قبلها.
قال الشيخ أبو حامد في "التعليق": إلا أن أصح القولين في الحائض: أنه يلزمها القضاء، والأصح في العيدين: أن لا قضاء؛ لأن يوم العيد لا يصح صومه لكل أحد، وأيام الحيض تختص بها المرأة بالفطر وحدها.
قال ابن الصباغ: وهذا ضعيف؛ لأن الشرع حرم عليها صوم زمان الحيض، كيوم العيد، فلا فرق بينهما، ولهذا لو نذرت صوم أيام الحيض لم يصح، كما لا يصح إذا نذرت صوم يوم العيد.

.[فرع: من نذر صوم الأثانين وعليه صيام شهرين متتابعين]

وإن نذر صوم يوم الأثانين، ثم لزمه صوم شهرين متتابعين في الكفارة لزمه صوم الشهرين المتتابعين، ثم يقضي صوم الأثانين فيهما؛ لأنه إذا بدأ بصوم الشهرين أمكنه قضاء الأثانين بعدهما، ولو بدأ بصوم الأثانين لم يمكنه صوم الشهرين فكان الجمع بينهما أولى.
وإن لزمه صوم الشهرين في الكفارة أولا، ثم نذر صوم الأثانين لزمه صوم الشهرين، وهل يلزمه قضاء الأثانين فيهما؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يلزمه - وهو اختيار المحاملي - لأن صيامهما استحق قبل النذر عن الكفارة، فصار كأثانين رمضان. والثاني: يلزمه القضاء - وهو المنصوص في رواية الربيع - لأنه قد كان يمكنه أن يصوم الأثانين في الشهرين اللذين صامهما عن الكفارة عن النذر.
قلت: فوزانه من المسألة: أنه لو نذر صوم شهرين بأعيانهما، ثم نذر صوم كل اثنين فإنه يصوم الشهرين المعينين عند النذر الأول، ولا يلزمه قضاء الأثانين فيهما عن النذر الثاني؛ لأن صومهما قد استحق عن النذر الأول. وإن نذر صوم كل اثنين، ثم نذر صوم شهرين بأعيانهما فإنه يصوم سائر أيام الشهرين غير الأثانين عن النذر الثاني، وأما الأثانين: فإنه يصومها عن النذر الأول، ولا يلزمه قضاؤها عن النذر الثاني؛ لأنها مستحقة للصوم عن النذر الأول، فلم يتناولها الثاني.

.[مسألة:تعليق نذر الصوم بقدوم شخص]

وإن نذر صوم اليوم الذي يقدم فيه زيد فهل ينعقد نذره؟ فيه قولان:
أحدهما: لا ينعقد نذره - وهو اختيار الشيخ أبي حامد - لأنه لا يمكنه الوفاء به؛ لأنه قد يقدم نهارا، فيكون ما صامه قبل القدوم تطوعا.
والثاني: ينعقد نذره - وهو اختيار المزني والقاضي أبي الطيب - لأنه يمكنه أن يتعرف اليوم الذي يقدم فيه، فينوي الصوم فيه من الليل، فانعقد نذره كما لو نذر صوم يوم مطلق.
قال الطبري في "العدة": واختلف أصحابنا في أصل القولين:
فمنهم من قال: أصلهما فيمن نذر صوم نصف يوم هل يصح نذره؟ فيه قولان مضى ذكرهما.
ومنهم من قال: أصلهما إذا قدم زيد في خلال النهار هل يتبين أن الصوم كان قد وجب عليه من أول النهار، فيه قولان.
قال: وفائدة هذا تظهر فيمن قال: هذا العبد حر يوم يقدم فلان، ثم باع العبد في أول اليوم، ثم قدم فلان بعد البيع، فإن قلنا بالطريقة الأولى صح البيع هاهنا، ولا يلزمه شيء. وإن قلنا بالطريقة الثانية عتق العبد وانفسخ البيع؛ لأنه بان أنه باع حرا، وهذه طريقة ابن الحداد.
فإذا قلنا: لا ينعقد نذره فلا كلام.
وإن قلنا: ينعقد، فإن كان الغالب عنده أنه يقدم غدا، فنوى الصوم من الليل عن نذره، ثم قدم في أثناء النهار فوجهان:
أحدهما قال القفال: لا يصح صومه؛ لأنه لم يقطع النية من الليل؛ لأنه كان يحتمل قدومه ويحتمل عدم قدومه.
و(الثاني): قال الشيخ أبو حامد: يصح صومه؛ لأنه قد أتى بما يمكنه الإتيان به، وتبين أن ما قبل القدوم كان تطوعا، وما بعده فرضا، ولا يمتنع مثل ذلك. ألا ترى أنه يجوز أن يدخل في صوم التطوع، ثم ينذر إتمامه، فيلزم، وإن قدم في يوم وهو مفطر فيه أو صائم فيه عن تطوع لم يجزه ذلك؛ لأنه لا يمكنه أن ينوي الصوم الواجب بعد طلوع الفجر.
فإن قدم ليلا لم يلزمه شيء؛ لأن الشرط لم يوجد.

.[فرع: تعليق نذر الصوم بأمس أو قدوم شخص أو بقدوم شخصين]

وإن قال: إن قدم فلان فلله علي أن أصوم أمس يوم قدومه فهل يصح نذره؟ فيه طريقان:
أحدهما قال الشيخ أبو حامد: لا يصح نذره قولا واحدا.
والثاني: قال ابن الصباغ: ينبغي أن تكون على قولين، كالتي قبلها.
وإن قال: إن قدم زيد فلله علي أن أصوم يوم قدومه، ثم قال: إن قدم عمرو فلله علي أن أصوم أول اثنين بعده، فقدم عمرو قبل الاثنين لزمه أن ينوي الصوم لقدوم عمرو ليلة الاثنين. فإن نوى الصوم ثم قدم زيد يوم الاثنين، وقلنا: يصح نذره فإنه يجب عليه أن يتم صوم هذا اليوم عن نذره لقدوم عمرو؛ لأنه قد نواه، ويستحب له أن يقضيه بيوم آخر؛ لأنه صامه عن نذر وقد استحق بنذر قبله، ويجب عليه أن يصوم يوما آخر لقدوم زيد؛ لأنه لم يمكنه أن ينوي الصيام لذلك. فإن قيل: أليس لو قدم زيد في أثناء يوم من رمضان لم يجب عليه القضاء؟ قلنا: الفرق بينهما: أن أيام رمضان لا يجوز أن تقع عن النذر بحال، وهاهنا قد كان يجوز أن يقع الصوم فيه عن قدوم زيد.
فإن قال: إن قدم زيد فلله علي أن أصوم يوما يلي يوم قدومه، وإن قدم عمرو فلله علي أن أصوم أول اثنين بعده، فقدما يوم الأحد لزمه أن يصوم يوم الاثنين عن أول نذر نذره، ويجب عليه أن يقضي عن النذر الثاني يوما آخر؛ لما ذكرناه في المسألة قبلها.